اللاجئون والإقامة في مصر: بين الحماية الإنسانية والقيود القانونية
تحتل مصر موقعًا جغرافيًا وسياسيًا جعلها ملاذًا للعديد من اللاجئين من دول الجوار، خصوصًا من سوريا، السودان، فلسطين، واليمن. ونتيجة للأزمات السياسية والنزاعات المسلحة المتفاقمة في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، استقبلت مصر ملايين اللاجئين خلال العقدين الماضيين. ومع ذلك، تظل مسألة إقامة اللاجئين في مصر معقّدة، تجمع بين التزامات الدولة بالمعاهدات الدولية، والتشريعات الوطنية، وتطبيقات ميدانية تعكس أحيانًا تناقضات بين النصوص القانونية والواقع.
تهدف هذه المقالة إلى تحليل الوضع القانوني للاجئين في مصر، مع التركيز على الإطار التشريعي، آليات الحماية، المشكلات العملية التي تواجه اللاجئين، وصولًا إلى عرض توصيات يمكن أن تسهم في تحسين نظام الإقامة.
أولًا: الإطار القانوني الدولي والوطني المنظم لوضع اللاجئين
1. الاتفاقيات الدولية
مصر طرف في اتفاقية جنيف لسنة 1951 الخاصة بوضع اللاجئين، وكذلك البروتوكول الإضافي لسنة 1967. وتلزم هذه الاتفاقيات الدول الأطراف بمنح اللاجئين عددًا من الحقوق الأساسية مثل:
-
الحق في الحماية من الإعادة القسرية (Non-refoulement).
-
الحق في التعليم والعمل.
-
الحق في الحصول على وثائق هوية ووثائق سفر.
-
الحق في اللجوء إلى العدالة.
ورغم أن مصر تحفظت على بعض البنود (مثل الحق في العمل والإعانات العامة)، إلا أن انضمامها لهذه الاتفاقيات يُحمّلها التزامًا قانونيًا وسياسيًا بحماية اللاجئين وعدم معاملتهم كمهاجرين غير نظاميين.
2. القوانين المصرية
حتى عام 2024، لم يكن هناك قانون محلي خاص باللجوء، وكان التعامل مع اللاجئين يتم من خلال قرارات تنظيمية ووزارة الداخلية، والمفوضية السامية لشؤون اللاجئين (UNHCR). إلا أنه في نوفمبر 2024، أصدر البرلمان المصري قانونًا جديدًا يحمل رقم 164 لسنة 2024 بشأن تنظيم اللجوء، ويُعد هذا تطورًا تشريعيًا مهمًا.
أبرز ملامح القانون الجديد:
-
إنشاء لجنة دائمة لشؤون اللاجئين تتبع رئاسة مجلس الوزراء.
-
تنظيم إجراءات التقديم والبت في طلبات اللجوء خلال مدة لا تتجاوز 6 أشهر.
-
تحديد واجبات اللاجئ، ومنها احترام القوانين وعدم الإخلال بالأمن القومي.
-
منح الإقامة المؤقتة لطالب اللجوء حتى البت في طلبه.
-
الحق في التعليم، والصحة، والحماية من الترحيل التعسفي.
لكن رغم هذا التقدُّم، ما زال القانون يتضمن نقاطًا إشكالية تؤثر على التطبيق العملي وعلى الوضع الحقوقي للاجئين.
ثانيًا: واقع إقامة اللاجئين في مصر
1. صعوبة الحصول على الإقامة القانونية
من أكثر التحديات التي يواجهها اللاجئون هي الحصول على الإقامة الرسمية. ورغم تسجيل الغالبية لدى المفوضية السامية، فإن إجراءات وزارة الداخلية المصرية قد تكون شديدة التعقيد، وقد تستغرق أشهرًا طويلة، وفي كثير من الأحيان، يُمنح اللاجئ إقامة لا تتجاوز ستة أشهر، مع صعوبة في تجديدها.
عام 2025، أصدرت الحكومة قرارًا بمد الإقامة إلى عام كامل، وهو ما اعتبرته المفوضية خطوة إيجابية، لكنه لا يزال دون التطلعات، خاصة في ظل البيروقراطية المرتبطة بالإجراءات، وارتفاع الرسوم.
2. الإقامة مقابل رسوم مرتفعة
في كثير من الحالات، يُطلب من اللاجئين دفع رسوم مالية مرتفعة نسبيًا لتجديد الإقامة، قد تصل إلى أكثر من 1000 دولار في بعض الحالات، خصوصًا بعد تدفّق اللاجئين السودانيين في أعقاب الحرب في الخرطوم. هذه الرسوم تُعد باهظة بالنسبة لأشخاص فقدوا مصادر دخلهم، وتدفع البعض للبحث عن بدائل غير قانونية.
3. القيود على التنقل والعمل
اللاجئون الذين لا يحصلون على إقامة صالحة لا يمكنهم التنقل بحرية داخل البلاد، ويواجهون مخاطر التوقيف والترحيل. كما أنهم يُمنعون من العمل رسميًا بدون تصاريح يصعب الحصول عليها. وبالتالي، يعمل كثير منهم في القطاع غير الرسمي، مما يعرضهم للاستغلال ويضعهم خارج مظلة الحماية القانونية.
ثالثًا: الفئات الأكثر تضررًا
1. السودانيون
منذ اندلاع الحرب السودانية في 2023، دخل أكثر من 1.5 مليون لاجئ سوداني إلى مصر. واجه كثيرون منهم تأخيرًا في تسجيل طلبات اللجوء، ومطالبات بدفع رسوم مرتفعة. رغم أن السودانيين كانوا يتمتعون سابقًا بمعاملة تفضيلية وفق اتفاقيات بين البلدين، إلا أن الأزمة الأخيرة كشفت هشاشة هذه المعاملة.
2. الفلسطينيون
اللاجئون الفلسطينيون في مصر يواجهون وضعًا قانونيًا خاصًا، إذ لا يُعاملون كلاجئين بموجب اتفاقية 1951، بل كمقيمين مؤقتين. يحصلون على وثائق سفر مؤقتة، لكن لا يُسمح لهم بالعمل أو التملك، ولا يتمتعون بحماية قانونية مماثلة لباقي الجنسيات.
3. السوريون
رغم أن مصر استقبلت السوريين بترحاب منذ عام 2011، وأتيحت لهم فرص العمل والدراسة، إلا أن السنوات الأخيرة شهدت تقييدًا متزايدًا، وتأخيرًا في تجديد الإقامات، مما أثر على أوضاعهم القانونية.
رابعًا: إشكاليات قانون اللجوء الجديد (قانون رقم 164 لسنة 2024)
1. شروط فضفاضة لسحب صفة اللاجئ
يمنح القانون للسلطة الحق في إلغاء صفة اللجوء عن أي شخص “يُهدد الأمن القومي” أو “يخل بالنظام العام”، دون تعريف دقيق لهذه العبارات. هذا الأمر قد يُستخدم بشكل تعسفي.
2. غياب الاستئناف القضائي
القانون لا يتيح لطالب اللجوء الطعن أمام محكمة مستقلة في قرارات اللجنة المختصة، بل يتيح فقط التظلُّم أمام نفس اللجنة، مما يضعف الضمانات القانونية.
3. تقييد الحق في العمل
رغم النص على الحق في الحياة الكريمة، لم ينص القانون صراحة على الحق في العمل، بل ترك الأمر لتصاريح وزارة القوى العاملة، والتي قلّما تُمنح للاجئين.
خامسًا: التحديات العملية التي تواجه اللاجئين
-
التمييز الاجتماعي: يعاني بعض اللاجئين من نظرات عنصرية أو تمييز في السكن والتعليم والعمل، خصوصًا القادمين من إفريقيا جنوب الصحراء.
-
انعدام الدعم القانوني: لا يُوفر للاجئين محامون أو دعم قانوني مجاني عند توقيفهم أو عند تقديم طلبات اللجوء.
-
عدم الاعتراف بالشهادات التعليمية: مما يحرم اللاجئين من فرص إكمال تعليمهم أو ممارسة مهنهم.
-
انخراط بعضهم في الهجرة غير الشرعية: نتيجة لضيق الأفق داخل مصر، يحاول البعض السفر عبر ليبيا أو المتوسط، فيقعون فريسة للاتجار بالبشر أو يموتون في البحر.
سادسًا: مقارنة مع تجارب إقليمية
الأردن:
يمنح اللاجئين السوريين حق الوصول للتعليم والصحة، لكن يمنع عنهم العمل الرسمي إلا بتصاريح خاصة، ورغم ذلك يوجد تعاون قوي بين الحكومة والمفوضية.
لبنان:
لا يملك قانونًا خاصًا باللاجئين، ويُعامل اللاجئون كأجانب، مع تضييقات كثيرة على إقامتهم، ولا يتم تجديدها إلا بشروط صارمة.
تركيا:
تمنح الحماية المؤقتة للسوريين، وتتيح لهم الوصول إلى التعليم والصحة والعمل، ولكن الحماية غير قابلة للتحوّل إلى إقامة دائمة بسهولة.
سابعًا: التوصيات
-
تعديل قانون اللجوء رقم 164 لسنة 2024 لضمان الطعن القضائي، ووضوح معايير سحب الصفة.
-
إلغاء الرسوم الباهظة الخاصة بتجديد الإقامات، خاصة للفئات الأشد فقرًا.
-
إصدار تصاريح عمل مرنة وفق احتياجات السوق، دون تعقيد إداري.
-
تعزيز الشراكة مع منظمات المجتمع المدني، لتوفير الدعم القانوني والنفسي للاجئين.
-
نشر اللائحة التنفيذية للقانون الجديد بسرعة وشفافية، مع إتاحة نسخ بلغات متعددة.
-
إدماج اللاجئين في سياسات الحماية الاجتماعية، خصوصًا في مجالات التعليم والرعاية الصحية.
ثامناً : اهم الاسئلة الشائعة حول الموضوع
🔹 أولاً: أسئلة حول اللجوء في مصر
-
كيف أقدم طلب لجوء في مصر؟
يمكن تقديم طلب اللجوء من خلال التسجيل لدى مكتب مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين (UNHCR) في القاهرة أو الإسكندرية. -
أين تقع مكاتب المفوضية في مصر؟
-
القاهرة: 6 أكتوبر، الحي السادس.
-
الإسكندرية: سموحة.
(ينصح بحجز موعد مسبق عبر الاتصال أو الموقع الإلكتروني).
-
-
هل يمكنني الحصول على لجوء إذا دخلت مصر بشكل غير رسمي؟
نعم، المفوضية لا ترفض طلب اللجوء بناءً على طريقة الدخول، ولكن قد تكون هناك تحديات قانونية مع السلطات المصرية. -
هل يمنحني التسجيل لدى المفوضية حق الإقامة القانونية؟
نعم، بعد التسجيل ستحصل على بطاقة “ورقة طالب لجوء” (الكرت الأصفر) والتي يمكنك من خلالها الحصول على تصريح إقامة مؤقتة من وزارة الداخلية المصرية. -
كم تستغرق إجراءات دراسة طلب اللجوء؟
قد تستغرق من عدة أشهر إلى أكثر من سنة، حسب عدد الطلبات والظروف الفردية.
🔹 ثانياً: أسئلة حول الإقامة والوثائق
-
كيف أحصل على تصريح الإقامة؟
بعد التسجيل لدى المفوضية، تتوجه إلى قسم الجوازات والهجرة لتقديم طلب الحصول على إقامة مؤقتة (عادة 6 أشهر قابلة للتجديد). -
هل يمكنني العمل في مصر كلاجئ؟
رسميًا، مصر لا تمنح تصاريح عمل للاجئين بسهولة، ولكن البعض يعمل في القطاعات غير الرسمية. من الأفضل استشارة المفوضية أو المنظمات الداعمة. -
هل يمكن لأطفالي الدراسة في المدارس المصرية؟
نعم، يحق لأطفال اللاجئين الالتحاق بالمدارس الحكومية مجانًا، ولكن هناك إجراءات تسجيل يجب التنسيق فيها مع المفوضية أو منظمات المجتمع المدني. -
هل أستطيع التنقل داخل مصر؟
يمكنك التنقل داخل مصر، ولكن لا يُسمح لك بمغادرة البلاد إلا بموافقة المفوضية والسلطات، أو بعد إعادة التوطين. -
ماذا تعني “إعادة التوطين”؟ وهل أستطيع طلبها؟
إعادة التوطين تعني نقل اللاجئ من بلد اللجوء (مصر) إلى بلد ثالث. يتم ذلك بناءً على معايير الحماية، لكن ليس لكل اللاجئين. المفوضية هي التي تقرر من يرشح.
🔹 ثالثاً: الدعم والخدمات
-
هل أحصل على مساعدات مالية أو سكن من المفوضية؟
قد يحصل البعض على مساعدات مالية محدودة حسب الحالة، لكن المساعدات ليست مضمونة للجميع وتعتمد على التقييم. -
ما هي الجهات التي تساعد اللاجئين في مصر؟
-
مفوضية اللاجئين (UNHCR)
-
المنظمة الدولية للهجرة (IOM)
-
كاريتاس
-
سانت أندروز
-
مركز النديم
-
الهلال الأحمر المصري
-
بعض الجمعيات الأهلية
⚖️ دور مجموعة كرم دويدار القانونية في دعم اللاجئين في مصر
مجموعة كرم دويدار القانونية هي جهة قانونية متخصصة تقدم خدمات حيوية للاجئين وطالبي اللجوء في مصر، وتركز على حماية حقوقهم القانونية وضمان معاملتهم وفقًا للقوانين المحلية والمعايير الدولية.
أهم أدوار المجموعة:
-
التمثيل القانوني أمام الجهات الرسمية:
-
تمثل اللاجئين أمام مصلحة الجوازات والهجرة عند وجود مشكلات في الإقامة أو تجديدها.
-
تقدم الدعم القانوني في حالات الترحيل أو التهديد به.
-
-
الدفاع في قضايا الاحتجاز الإداري:
-
تتدخل في حالات احتجاز اللاجئين لأسباب تتعلق بالإقامة أو دخول البلاد بطريقة غير نظامية.
-
تعمل على إخلاء السبيل بالتعاون مع السلطات والمفوضية.
-
-
الاستشارات القانونية الفردية:
-
توفر استشارات دقيقة ومخصصة حسب الحالة، سواء في قضايا اللجوء أو النزاعات العائلية أو الإدارية.
-
-
التنسيق مع مفوضية اللاجئين والمنظمات الدولية:
-
تعمل المجموعة جنبًا إلى جنب مع مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين (UNHCR) والمنظمات الحقوقية لضمان حماية اللاجئين.
-
-
مساعدة اللاجئين في توثيق أوراقهم:
-
تساعد في استخراج أو توثيق الوثائق القانونية (مثل شهادات الميلاد والزواج) بالتنسيق مع الجهات المختصة.
-
-
التوعية القانونية:
-
تقدم جلسات توعية ومواد إرشادية لتمكين اللاجئين من فهم حقوقهم القانونية داخل مصر.
-