حقوق المستأجر في ظل قانون الإيجارات الجديد
شهدت المنظومة القانونية في العديد من الدول العربية تعديلات جوهرية على قوانين الإيجارات، خاصة مع التحولات الاقتصادية والاجتماعية التي فرضت واقعاً جديداً يستدعي إعادة التوازن بين المؤجر والمستأجر. وجاء قانون الإيجارات الجديد ليؤسس لعلاقة تعاقدية أكثر عدلاً ووضوحاً، ويمنح المستأجر مجموعة من الحقوق التي تهدف إلى حمايته من التعسف وضمان استقراره السكني أو التجاري.
في هذا المقال، نستعرض أهم الحقوق التي كفلها قانون الإيجارات الجديد للمستأجر، ونحلل النصوص القانونية ذات الصلة، مستندين إلى الفقه القانوني والاجتهاد القضائي، ومستعرضين أبرز التحديات العملية التي تواجه المستأجرين.
أولاً: مفهوم المستأجر في القانون الجديد
يُعرف المستأجر قانوناً بأنه الطرف الذي يلتزم بدفع بدل الإيجار لقاء الانتفاع بالعقار أو الشيء المؤجر، سواء كان هذا العقار مخصصاً للسكن أو للنشاط التجاري أو الصناعي. وفي ضوء القانون الجديد، تم توسيع مفهوم المستأجر ليشمل جهات اعتبارية مثل الشركات والمؤسسات، مما يستوجب تمييزاً في الحقوق بحسب طبيعة الاستخدام.
ثانياً: أبرز حقوق المستأجر في القانون الجديد
1. الحق في الحماية من الإخلاء التعسفي
من أهم المكاسب التي حققها قانون الإيجارات الجديد للمستأجرين هو الحد من حالات الإخلاء غير المبررة. إذ لم يعد للمؤجر الحق في إنهاء العقد بشكل منفرد ودون مبرر قانوني أو قضائي. بل أصبح الإخلاء مشروطاً بتحقق حالات محددة، منها:
انتهاء مدة العقد وعدم تجديده بموافقة الطرفين.
مخالفة المستأجر لشروط العقد بشكل جسيم.
استعمال العقار بطريقة غير مشروعة أو تتنافى مع الغرض المتفق عليه.
عدم سداد الأجرة رغم الإنذارات القانونية.
وقد فرض القانون على المؤجر التقدم بدعوى قضائية للإخلاء، مما يمنح المستأجر فرصة الدفاع عن نفسه أمام القضاء.
2. الحق في تجديد عقد الإيجار أو أولوية البقاء
في العقود السكنية خاصة، منح القانون المستأجر نوعاً من الاستقرار التأجيري، إذ أقر حقه في تجديد العقد أو إعطائه الأولوية في حال عرض العقار للتأجير من جديد، شرط الالتزام بالواجبات القانونية.
وفي بعض النظم القانونية، لا يجوز إنهاء عقد الإيجار إلا بعد مضي مدة طويلة نسبياً (مثلاً خمس سنوات) من دون وجود سبب مشروع، مما يكرّس حق السكن كحق اجتماعي.
3. الحق في عدم زيادة الأجرة بشكل تعسفي
نظم القانون الجديد آلية محددة لزيادة بدل الإيجار، ومنع المؤجر من فرض زيادات غير مبررة أو فجائية. ومن بين الضوابط التي قد ينص عليها القانون:
تحديد نسبة مئوية كحد أقصى للزيادة السنوية (مثلاً 5% أو 10%).
إخضاع الزيادة لموافقة لجنة فض منازعات الإيجارات أو المحكمة المختصة.
اشتراط إخطار المستأجر مسبقاً قبل تطبيق أي زيادة.
هذا التنظيم يمنع استغلال المؤجر لوضع السوق أو قلة المعروض لفرض مبالغ باهظة تؤدي إلى تهجير المستأجر.
4. الحق في صيانة العقار
يضمن قانون الإيجارات الجديد حق المستأجر في الانتفاع السليم بالعقار المؤجر، ويلزم المؤجر بإجراء أعمال الصيانة الأساسية، ما لم يُتفق على خلاف ذلك في العقد. ومن صور الصيانة التي تقع عادة على المؤجر:
إصلاحات الأنابيب، الكهرباء، التكييف المركزي.
صيانة هيكل المبنى الخارجي أو الداخلي.
معالجة العيوب الخفية التي تؤثر على سلامة السكن أو النشاط.
أما الصيانة البسيطة اليومية، فتقع غالباً على عاتق المستأجر (مثل تغيير المصابيح أو الحنفيات).
5. الحق في الخصوصية وعدم تدخل المؤجر
أحد الحقوق المكفولة للمستأجر هو الحق في التمتع بالعقار دون تدخل غير مبرر من المؤجر. فلا يجوز للمؤجر الدخول إلى العقار إلا بإذن المستأجر، أو في حالات الضرورة القصوى ووفق ضوابط.
وقد يعاقب القانون المؤجر الذي يتعدى على حرمة المسكن أو يحاول الضغط على المستأجر للخروج بوسائل غير قانونية، مثل قطع الكهرباء أو الماء.
6. الحق في استرجاع التأمين بعد انتهاء العقد
في حال دفع المستأجر مبلغ تأمين عند بداية العلاقة التعاقدية، أوجب القانون الجديد على المؤجر رد هذا المبلغ عند انتهاء العقد، ما لم يكن هناك تلفيات أو مخالفات مثبتة. ولا يحق للمؤجر حجز التأمين دون وجه حق، وقد يتعرض للمساءلة.
7. الحق في التقاضي وحل المنازعات
وفر القانون آليات فعالة للمستأجر في حال حصول نزاع، ومنها:
اللجوء إلى القضاء العادي.
تقديم شكوى إلى لجان فض منازعات الإيجارات.
إمكانية الصلح أو التحكيم في حال النص عليه بالعقد.
وتتميز هذه الإجراءات في بعض الأنظمة بأنها سريعة وذات رسوم بسيطة، لحماية الطرف الأضعف عادة وهو المستأجر.
ثالثاً: التزامات المستأجر مقابل الحقوق
لا بد من التوازن بين الحقوق والواجبات. ومن أبرز التزامات المستأجر:
دفع الأجرة في مواعيدها.
عدم الإضرار بالعقار أو تغييره دون إذن.
الالتزام بشروط العقد والاستخدام المخصص.
تسليم العقار في نهاية العقد بالحالة نفسها التي استلمه بها (مع الأخذ بالحسبان الاستهلاك العادي).
الإخلال بهذه الالتزامات قد يؤدي إلى فسخ العقد أو الإخلاء، وبالتالي ففهم المستأجر لواجباته لا يقل أهمية عن معرفة حقوقه.
رابعاً: حالات عملية وتطبيقية
مثال تطبيقي 1:
مستأجر يتأخر 3 أشهر عن دفع الإيجار، ويقوم المؤجر بقطع الكهرباء لإجباره على المغادرة.
↪️ وفق القانون الجديد، هذا التصرف غير قانوني، ويعد تعدياً، ويحق للمستأجر طلب التعويض والرجوع للجهات المختصة.
مثال تطبيقي 2:
مستأجر يطلب من المؤجر إصلاح تسرب مياه، فيرفض الأخير.
↪️ يحق للمستأجر إجراء الصيانة الضرورية والاقتطاع من الإيجار، بشرط الإشعار المسبق، حسب ما تسمح به نصوص القانون.
خامساً: التحديات التي تواجه تطبيق القانون
رغم إيجابيات القانون الجديد، تبقى هناك تحديات أبرزها:
جهل المستأجرين بحقوقهم، مما يسهل استغلالهم.
بطء الإجراءات القضائية في بعض الحالات.
ضعف الرقابة على الممارسات غير القانونية لبعض المؤجرين.
نقص التوعية بالعقود النموذجية أو استخدام صيغ غير متوازنة لصالح المؤجر.
سادساً: مقترحات لتعزيز حماية المستأجر
إطلاق حملات توعية قانونية للمستأجرين حول حقوقهم.
اعتماد نماذج عقود رسمية ومعتمدة لضمان توازن العلاقة.
دعم لجان فض المنازعات بالكوادر القانونية والتقنية.
رقمنة العقود والإجراءات لتسهيل التوثيق والمتابعة.
تغليظ العقوبات على المخالفات الجسيمة، خاصة التي تمس حرمة السكن أو الاستقرار.
دور مجموعة كرم دويدار القانونية في حماية حقوق المستأجرين
في ظل التحديات العملية التي تعترض تطبيق قانون الإيجارات الجديد، برزت مجموعة كرم دويدار القانونية كلاعب فاعل في دعم وتمكين المستأجرين، من خلال تقديم خدمات قانونية متخصصة ترتكز على الشفافية، والدقة، والدفاع عن الحقوق المدنية.
تعمل المجموعة على:
-
تقديم الاستشارات القانونية الدقيقة للمستأجرين في ما يتعلق بحقوقهم وواجباتهم في العقود.
-
تمثيل العملاء أمام لجان فض المنازعات والمحاكم، وتقديم دفوع قوية مبنية على أحدث التعديلات التشريعية.
-
صياغة العقود الإيجارية وفق أحكام القانون الجديد، بشكل يضمن العدالة والتوازن التعاقدي.
-
إعداد مذكرات قانونية وتظلمات في حالات الإخلاء أو فرض الزيادات غير القانونية.
-
نشر الوعي القانوني عبر الندوات والمنشورات القانونية للجمهور، بهدف الوقاية القانونية قبل النزاع.
إن التزام مجموعة كرم دويدار القانونية بالدفاع عن المستأجرين والمساهمة في تفعيل النصوص القانونية على أرض الواقع، يجعل منها جهة موثوقة في ساحة العمل القانوني، ورافداً حقيقياً لترسيخ العدالة في قطاع الإيجارات.